فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}
قوله تعالى: {مَا بَالُ النسوة}: العامَّةُ على كسر نون النسوة، وضَمَّها عاصم في روايةِ أبي بكرٍ عنه، وليست بالمشهورة، وكذلك قرأها أبو حيوة. وقرئ: {اللائي} وكلاهما جمعٌ لالتي.
{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ}
والخَطْبُ: الأمر والشأن الذي فيه خطرٌ. قال امرؤ القيس:
وما المَرْءُ ما دامَتْ حُشاشَةُ نفسِه ** بمُدْرِكِ أَطْرافِ الخُطوبِ ولا آلِ

وهو في الأصلِ مصدرُ خَطَب يَخْطُبُ، وإنما يُخْطب في الأمور العظام.
قوله: {إِذْ رَاوَدتُنَّ} هذا الظرفُ منصوبٌ بقوله: {خَطْبُكُنَّ} لأنه في معنى الفعل؛ إذ المعنى: ما فعلتنَّ وما أَرَدْتُنَّ به في ذلك الوقتِ؟
قوله: {الآن حَصْحَصَ} {الآن} منصوبٌ بما بعدَه، وحَصْحَصَ معناه تَبيَّنَ وظهر بعدَ خَفَاءٍ، قاله الخليل. قال بعضهم: هو مأخوذٌ مِن الحِصَّة والمعنى: بانَتْ حِصَّةُ الحَقِّ مِنْ حِصَّةِ الباطل كما تتميَّز حِصَصُ الأراضي وغيرِها. وقيل: بمعنى ثبت واستقرَّ. وقال الراغب: حَصْحَصَ الحقُّ، وذلك بانكشافِ ما يَغْمُره، وحَصَّ وحَصْحَصَ نحو: كَفَّ وكَفْكَفَ وكَبَّ وكَبْكَبَ، وحَصَّه: قَطَعه: إمَّا بالمباشرة وإمَّا بالحكم، فمِنَ الأول قولُ الشاعر:
قد حَصَّتِ البيضة رأسي **.........................

ومنه رَجُلٌ أَحَصُّ: انقطع بعضُ شَعْره، وامرأة حَصَّاءُ، والحِصَّة القطعةُ من الجملة ويُسْتعمل استعمالَ النصيب. وقيل: هو مِنْ حَصْحَصَ البعير إذا أَلْقَى ثَفِناتِه للإِناخِةِ، قال الشاعر:
فَحَصْحَصَ في صُمِّ الصَّفَا ثَفِناتِه ** وناءَ بسلمى نَوُءَةً ثم صَمَّما

{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)}
قوله تعالى: {ذلك}: خبر مبتدأ مضمر، أي: الأمر ذلك. و{ليعلم} متعلقٌ بمضمرٍ، أي: أظهر اللَّه ذلك ليعلم، أو مبتدأ وخبره محذوفٌ، أي: ذلك الذي صَرَّحْتُ به عن براءته أمرٌ من اللَّه لابد منه، و{لِيَعْلمَ} متعلقٌ بذلك الخبرِ، أو يكون {ذلك} مفعولًا لفعلٍ مقدر يتعلَّقُ به هذا الجارُّ أيضًا، أي: فَعَلَ اللَّه ذلك، أو فَعَلْتُه أنا بتيسير اللَّه ليعلمَ.
قوله: {بالغيب} يجوز أن تكونَ الباءُ ظرفيةً. قال الزمخشري: أي: بمكان الغَيْب وهو الخَفَاءُ والاستتار وراءَ الأبوابِ السبعة المُغَلَّقة. ويجوز أن تكون الباء للحال: إمَّا مِنَ الفاعل على معنى: وأنا غائب عنه خفيٌّ عن عينه، وإمَّا من المفعول على معنى: وهو غائب عني خفيٌّ عن عيني، وهذا مِنْ كلامِ يوسُفَ، وبه بدأ الزمخشري كالمختار له. وقال غيرُه: إنه مِنْ كلامِ امرأة العزيز وهو الظاهر. وقوله: {وأنَّ اللَّه} نَسَقٌ على {أني} أي ليَعلمَ الأمرين. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)}
أراد عليه السلام ألا يلاحظه المِلكُ بعين الخيانة فيُسْقِطَه عيبُه من قلبه؛ فلا يؤثِّر فيه قوله، فلذلك توقَّفَ حتى يَظْهَرَ أمرُه للمَلِكِ وتنكشفَ براءةُ ساحته.
قوله جلّ ذكره: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٌٍ}.
الحقائق لا تنكتِم أصلًا ولابد من أن تَبينَ... ولو بعد حين.
نَسِبَ يوسفُ إلى ما كان منه بَريئًا، وأُنِّبَ على ذلك مدةً، وكان أمرهُ في ذلك خَفِيَّا. ثم إن الله تعالى دَفَعَ عنه التهمة ورفع عنه المّظَنّة، وأنطق عِذّالَه، وأظهر حالَه، عما فرق به سرباله؛ فَقُلْنَ: {حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ}.
قوله جلّ ذكره: {قَالَتِ امرأة العزيز الآن حَصْحَصَ الحق أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين}.
لمّا كانت امرأةُ العزيز غيرَ تامّةٍ في محبة يوسف تركَتْ ذنبَهَا عليه وقالت لزوجها: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأهْلِكَ سُوءًا إلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ولم يكن ليوسف عليه السلام ذنب. ثمَّ لمّا تناهَتُ في محبته أقَرَّت بالذنبِ على نفسها فقالت: {الآَنَ حَصْحصَ الْحَقُّ....} فالتناهي في الحبِّ يوجب هتكَ الستر، وقلة المبالاة بظهور الأمر والسِّر، وقيل:
لِيُقلْ مَنْ شاءَ ما ** شاء فإني لا أُبالي

{ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)}
إنما أراد اللَّهُ أن يُظْهِرَ براءةَ ساحةِ يوسف، لأنه علم أنهم يستحقون العقوبة على ما يبسطون فيه من لسان الملامة وذكر القبيح، ولم يُرِدْ يوسف أن يصيبَهم بسببه- من قِبلِ اللَّهِ- عذابٌ شَفَقَةً منه عليهم، وهذه صفة الأولياء: أن يكونوا خَصْمَ أَنفسِهم، ولهذا قيل: الصوفي دمه هَدرٌ ومِلْكُه مُبَاحُ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (53):

قوله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ذلك ربما جر إلى الإعجاب، قال: {وما أبرئ} أي تبرئة عظيمة: {نفسي} عن مطلق الزلل وإن غلبه التوفيق والعصمة، أي لم أقصد بالبراءة عما تقدم مجرد التزكية للنفس، وعلل عدم التبرئة بقوله- مؤكدًا لما لأكثر الناس من الإنكار، أو لأن اتباعهم لأهويتهم فعل من ينكر فعل الأمارة-: {إن النفس} أي هذا النوع: {لأمارة} أي شديدة الأمر: {بالسوء} أي هذا الجنس دائمًا لطبعها على ذلك في كل وقت: {إلا ما} أي وقت أن: {رحم ربي} بكفها عن الأمر به أو بستره بكفها عن فعله بعد إطلاقها على الأمر به، أو إلا ما رحمه ربي من النفوس فلا يأمر بسوء؛ ثم علل ذلك بقوله مؤكدًا دفعًا لظن من يظن أنه لا توبة له: {إن ربي} أي المحسن إليّ: {غفور} أي بليغ الستر للذنوب: {رحيم} أي بليغ الإكرام لمن يريد. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)}
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن تفسير هذه الآية يختلف بحسب اختلاف ما قبلها لأنا إن قلنا إن قوله: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} [يوسف: 52] كلام يوسف كان هذا أيضًا من كلام يوسف، وإن قلنا إن ذلك من تمام كلام المرأة كان هذا أيضًا كذلك ونحن نفسر هذه الآية على كلا التقديرين، أما إذا قلنا إن هذا كلام يوسف عليه السلام فالحشوية تمسكوا به وقالوا: إنه عليه السلام لما قال: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} قال جبريل عليه السلام ولا حين هممت بفك سراويلك فعند ذلك قال يوسف: {وَمَا أُبَرّئ نَفْسِى إِنَّ النفس لامَّارَةٌ بالسوء} أي بالزنا: {إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى} أي عصم ربي: {إِنَّ رَبّى غَفُورٌ} للهم الذي هممت به: {رَّحِيمٌ} أي لو فعلته لتاب علي.
واعلم أن هذا الكلام ضعيف فإنا بينا أن الآية المتقدمة برهان قاطع على براءته عن الذنب بقي أن يقال: فما جوابكم عن هذه الآية فنقول فيه وجهان:
الوجه الأول: أنه عليه السلام لما قال: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} كان ذلك جاريًا مجرى مدح النفس وتزكيتها، وقال تعالى: {فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ} [النجم: 32] فاستدرك ذلك على نفسه بقوله: {وَمَا أُبَرّئ نَفْسِى} والمعنى: وما أزكي نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ميالة إلى القبائح راغبة في المعصية.
والوجه الثاني: في الجواب أن الآية لا تدل ألبتة على شيء مما ذكروه وذلك لأن يوسف عليه السلام لما قال: {أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} بين أن ترك الخيانة ما كان لعدم الرغبة ولعدم ميل النفس والطبيعة، لأن النفس أمارة بالسوء والطبيعة تواقة إلى الذات فبين بهذا الكلام أن الترك ما كان لعدم الرغبة، بل لقيام الخوف من الله تعالى.
أما إذا قلنا: إن هذا الكلام من بقية كلام المرأة ففيه وجهان: الأول: وما أبرئ نفسي عن مراودته ومقصودها تصديق يوسف عليه السلام في قوله: {هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى} الثاني: أنها لما قالت: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} [يوسف: 52] قالت وما أبرئ نفسي عن الخيانة مطلقًا فإني قد خنته حين قد أحلت الذنب عليه وقلت: {مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا إِلا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: 25] وأودعته السجن كأنها أرادت الاعتذار مما كان.
فإن قيل جعل هذا الكلام كلامًا ليوسف أولى أم جعله كلامًا للمرأة؟
قلنا: جعله كلامًا ليوسف مشكل، لأن قوله: {قَالَتِ امرأت العزيز الئن حَصْحَصَ الحق} [يوسف: 51] كلام موصول بعضه ببعض إلى آخره، فالقول بأن بعضه كلام المرأة والبعض كلام يوسف مع تخلل الفواصل الكثيرة بين القولين وبين المجلسين بعيد، وأيضًا جعله كلامًا للمرأة مشكل أيضًا، لأن قوله: {وَمَا أُبَرّئ نَفْسِى إِنَّ النفس لامَّارَةٌ بالسوء إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى} كلام لا يحسن صدوره إلا ممن احترز عن المعاصي، ثم يذكر هذا الكلام على سبيل كسر النفس، وذلك لا يليق بالمرأة التي استفرغت جهدها في المعصية.
المسألة الثانية:
قالوا: {مَا} في قوله: {إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى} بمعنى من والتقدير: {إلا من رحم ربي}، وما ومن كل واحد منهما يقوم مقام الآخر كقوله تعالى: {فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء} [النساء: 3] وقال: {وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى على أَرْبَعٍ} [النور: 45] وقوله: {إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى} استثناء متصل أو منقطع، فيه وجهان: الأول: أنه متصل، وفي تقريره وجهان: الأول: أن يكون قوله: {إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى} أي إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة كالملائكة.
الثاني: إلا ما رحم ربي أي إلا وقت رحمة ربي يعني أنها أمارة بالسوء في كل وقت إلا في وقت العصمة.
والقول الثاني: أنه استثناء منقطع أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة كقوله: {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [البقرة: 48]: {إِلاَّ رَحْمَةً مّنَّا} [يس: 44].
المسألة الثالثة:
اختلف الحكماء في أن النفس الإمارة بالسوء ما هي؟ والمحققون قالوا إن النفس الإنسانية شيء واحد، ولها صفات كثيرة فإذا مالت إلى العالم الإلهي كانت نفسًا مطمئنة، وإذا مالت إلى الشهوة والغضب كانت أمارة بالسوء، وكونها أمارة بالسوء يفيد المبالغة والسبب فيه أن النفس من أول حدوثها قد ألفت المحسوسات والتذت بها وعشقتها، فأما شعورها بعالم المجردات وميلها إليه، فذلك لا يحصل إلا نادرًا في حق الواحد، فالواحد وذلك الواحد فإنما يحصل له ذلك التجرد والانكشاف طول عمره في الأوقات النادرة فلما كان الغالب هو انجذابها إلى العالم الجسداني وكان ميلها إلى الصعود إلى العالم الأعلى نادرًا لا جرم حكم عليها بكونها أمارة بالسوء، ومن الناس من زعم أن النفس المطمئنة هي النفس العقلية النطقية، وأما النفس الشهوانية والغضبية فهما مغايرتان للنفس العقلية، والكلام في تحقيق الحق في هذا الباب مذكور في المعقولات.
المسألة الرابعة:
تمسك أصحابنا في أن الطاعة والإيمان لا يحصلان إلا من الله بقوله: {إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبّى} قالوا دلت الآية على أن انصراف النفس من الشر لا يكون إلا برحمته؛ ولفظ الآية مشعر بأنه متى حصلت تلك الرحمة حصل ذلك الانصراف.
فنقول: لا يمكن تفسير هذه الرحمة بإعطاء العقل والقدرة والألطاف كما قاله القاضي لأن كل ذلك مشترك بين الكافر والمؤمن فوجب تفسيرها بشيء آخر، وهو ترجيح داعية الطاعة على داعية المعصية وقد أثبتنا ذلك أيضًا بالبرهان القاطع وحينئذ يحصل منه المطلوب. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وما أبرئ نفسي}
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه قول العزيز أي وما أبرئ نفسي من سوء الظن بيوسف.
{إنَّ النفس لأمارة بالسوء}
يحتمل وجهين:
أحدهما: الأمارة بسوء الظن.
الثاني: بالاتهام عند الارتياب.
{إلا ما رحم ربي} يحتمل وجهين:
أحدهما: إلاَّ ما رحم ربي إن كفاه سوء الظن.
الثاني: أن يثنيه حتى لا يعمل. فهذا تأويل من زعم أنه قول العزيز.
الوجه الثاني: أنه قول امرأة العزيز وما أبرئ نفسي إن كنت راودت يوسف عن نفسه لأن النفس باعثة على السوء إذا غلبت الشهوة عليها.
{إلا ما رحم ربي} يحتمل وجهين:
أحدهما: إلا ما رحم ربي من نزع شهوته منه.
الثاني: إلا ما رحم ربي في قهره لشهوة نفسه، فهذا تأويل من زعم أنه من قول امرأة العزيز.
الوجه الثاني: أنه من قول يوسف، واختلف قائلو هذا في سببه على أربعة أقاويل:
أحدها: أن يوسف لما قال: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} قالت امرأة العزيز: ولا حين حللت السراويل؟ فقال: وما أبريء نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء، قاله السدي.
الثاني: أن يوسف لما قال ذلك غمزه جبريل عليه السلام فقال: ولا حين هممت؟ فقال: {وما أُبريء نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء} قاله ابن عباس.
الثالث: أن الملك الذي مع يوسف قال له: اذكر ما هممت به، فقال: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء} قاله قتادة.
الرابع: أن يوسف لما قال: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} كره نبي الله أن يكون قد زكى نفسه فقال: {وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء} قاله الحسن.
ويحتمل قوله: {لأمارة بالسوء} وجهين:
أحدهما: يعني أنها مائلة إلى الهوى بالأمر بالسوء.
الثاني: أنها تستثقل من عزائم الأمور ما إن لم يصادف حزمًا أفضت إلى السوء. اهـ.